الأربعاء، 10 أبريل 2013

زهرة عشب ... مظفر النواب

من أحب قصائد مظفر النواب على قلبي: 

لست سوى زهرة عشب
يوم عشق عمرها ترافق الطريق
تلقى النفايات على وجهي
أطل ثانيا بوجهي المعذب الصديق
ورغم ما يشوبني من الأسى
يضحك قلبي الصغير بالرحيق
قد لا يراني عابر منشغل
ينوس عطري الخفير
إنني هنا ... ها هنا
هناك في مداك يا رفيق
لحيظة نجدد الجديد من وفائنا 
ونمنح الشذى بستانا العتيق
لمرة نجيء ...علنا نعي الوجود
أو يعي الوجود وعينا بسره الوثيق
وربما  مضى ...
أختلق العذر له لم يسمع الشذى 
يعيش بئر حزنه العميق
***
لست سوى زهرة عشب 
ربما يدوسها المرور
إنما هيهات أن يداس عطرها الطليق
لقد خلقت هكذا
لكل ذرة في جسدي تظاهرة
لا تزدري تواضعي
سكرت بالندى فمال عودي الرقيق
فإن أراد عابث بروعة الصباح أن يسحقني
أصيح بالعطور كلها كفرت بالطريق

الأحد، 7 أبريل 2013

نجمة ... قصة قصيرة

بعد أن مسح الأرض حوله بنظرة يأس, رفع الطفل رأسه وحدق بنجمة السماء، ثم مد يده نحوها قائلاً: "هل تستطيعين حملي إليك كي أرى والدي, لقد هرب واختفى ليحارب الطغيان, علني أكبر في ظروف أفضل حسبما قال. اشتقت إليه وأريد رؤيته, فهلا رفعتني علني أستكشف مكانه؟".
صمتت النجمة ولم تجب كأنها لم تسمع ما قيل لها.

بعد قليل سمعت طفلتاً تناديها: "أيتها النجمة, هل تملكين بعض المال فتقرضينيه؟ لقد خطفت عصابة والدي وهم يطلبون منا المال لإعادته, أرى أمي دائماً تبكي, وتبحث عمن يقرضها بعض المال وأريد أن أساعدها, طلبت من أصدقائي ولكنهم لا يملكون الكثير من المال, لقد جمعوا لي 17 ليرة ولكن أمي تقول بأن هذا لا يكفي فهل لك أن تساعديني أريد أن أعيد أبي والبسمة لأمي."
لم تفهم النجمة معنى كلمة مال فظلت صامتة.

وفجأة قطع صمتها طفل ثالث حين قال: "والدي اعتقل منذر فترة, يقولون أن السجناء بتأملون السماء في الليل من فتحات زنزاناتهم, فهل ترينه أنت من السماء؟ هل هو بخير؟ هل استطاعوا ضربه كما يقولون في الحي؟ والدي قوي, هو أقوى مني بكثير فهل سيموت تحت التعذيب كما حصل لجارنا؟ وإن مات هل سيحملني شبان الحي على الأكتاف كما حملوا ابن الجيران... آه لكم حسدته يومها, كان محط أنظار الجميع, وحتى اليوم الكل يحييه عندما يراه في الشارع, لقد أصبح بطلاً دون أن يفعل شيئاً, حتى أنه لا يجيد لعب الكرة ولا حتى كحارس مرمى, وبكل الأحوال هو لم يعد يلعب معنا, هو حزين معظم الوقت, رغم كل الهدايا التي انهالت عليه من أقاربه. أشعر أحياناً أنه صار متكبراً لأن الكل يعامله بشكل مختلف, إن حصل نفس الشيء لوالدي لن أترك أصدقائي مثله."
ابتسمت النجمة من سذاجة الطفل الصغير إلا أنها لم تعرف بماذا تجيب.

طفل آخر قال للنجمة: "والدي استشهد على يد عصابة مسلحة, أمي تقول أنهم قتلوه غدراً وأظنها على حق, فلطالما سمعته يروي لأمي كيف كان ورفاقه يعاقبون عناصر العصابات الأشرار ويضربونهم ويودعونهم السجن, والدي أقوى من العصابات وما كان لهم لينتصروا عليه إلا غدراً, قالت أمي أيضاً أنه صعد إلى السماء, فهل رأيته؟ أرجوك قولي له أن يعود فأنا أحبه وأريده أن يحميني من تلك العصابات."

من على شرفة في شارع فاخر ذاخر بالأضواء, سمعت النجمة طفلاً آخر يناديها: " أريد أن أصعد إليك, الجميع هنا يتآمر ضدي. يخفون الأمر عني ولكنني أعرف, فهمت من همساتهم, أبي يحارب اللصوص الأشرار الذين يريدون سرقة الكرسي الذي أورثه إياه جدي,  بينما يريد الآخرون أن ينتصر أبي ويعطيني الكرسي حين أكبر, أريد لأبي أن ينتصر ولكنني لا أريد أن أكبر, أريد أن ألعب بألعابي, أبي دائما متجهم الوجه هذه الأيام, وأمي تقول أنه تعب وقلق, فهل تستطيعين أخذي لعندك مع ألعابي كي أستمتع باللعب؟ وهل ستنصرين أبي على اللصوص سارقي العروش الموروثة؟"

نظرت طفلة في الفراش عبر النافذة وقالت للنجمة: " هل ترين صديقتي هبة ونوارة, كنا نلعب سوية في منزل هبة عندما رمت طائرة برميلاً على المنزل, ومن وقتها لما أرهما, قالت لي أمي أنهما صعدتا إلى السماء فهل تعلمين متى ستنزلان؟ إنني أحسدهما هما تستطيعان رؤية الأرض من عل, ولكن متى ستعودان؟ إن رأيتيهما أخبري هبة أن كل ألعابها احترقت ولكن ليس عليها أن تحزن فبإمكانها أن تأتي لنلعب عندي, سأعيرها دراجتي فأنا لن أستطيع قيادتها بساق واحدة, ولكن عليها أن تعيدها إلي بمجرد ما تنبت ساقي من جديد, أريدك أيضاً  أن تخبري نوارة أنني آسفة لأنني مزقت فستان لعبتها, فلم أكن أقصد ذلك كلما كنت أريده هو إلباس اللعبة فتمزق الرداء, ولكني لم أقصد ذلك, هل تسمعين أيتها النجمة لا تنسي إخبار صديقاتي بذلك, قالت لي الممرضة اللطيفة أني سأخرج من هذا المكان سريعا وأعود إلى منزلي وهناك سأنتظر عودة صديقتاي لترويا لي ما رأتا في السماء. "

غارت النجمة بين الغيوم واحتجبت عن عيون الأطفال، انسلت قطرات المطر من الغيوم وراحت تطرق نوافذ الأطفال، فتح الأطفال نوافذهم وأطلوا ناظرين إلى السماء، يرقبون عودة النجمة بردود على أسئلتهم.