الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

لماذا يا ديغول؟

أود أن أقدم هنا حكاية واقعية تنتهي بسؤال,  وأرجو من القارئ العزيز التمعن والتفكير قبل الإجابة, وهاكم الحكاية:
المكان دولة في هذا العالم تدعى فرنسا (لن نتدخل في هذه الحكاية لا بسياسيتها الخارجية ومصداقيتها ولا بتاريخها بسلبياته وإيجابياته وإنما سنركز على الأحداث المرتبطة بالحكاية فقط وعلى ردود أفعال الشخصية فيما يتعلق بالحكاية فقط)
الزمان 3 أيار 1968 (بعد الحرب العالمية وخلال الحرب الباردة حيث تعتبر فرنسا في المعسكر الغربي الرأسمالي المعادي للمعسكر الشرقي الاشتراكي الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي)
تبدأ الحكاية بقيام 400 طالب جامعة يساري باحتلال ساحة جامعة السوربون نهار الجمعة 3 أيار مطالبين بإلغاء الضوابط التي يضعها قانون الدولة على تحركات وآراء الأفراد, رافعين عدة شعارات أشهرها المطالبة بمنع الممنوع أو منع المنع. عميد الجامعة المتخوف من صدام هؤلاء مع طلاب يمينيين متشددين يقوم بطلب تدخل الشرطة التي تدخل الساحة وتفرق الطلاب وتعتقل جزءاً منهم.
الاثنين 6 أيار يستدعى بعض الطلاب للتحقيق وإصدار أحكام بحق بعضهم مما يثير غضب لدى الطلاب الذين لم يستطيعوا أن يهضموا اقتحام الشرطة لجامعتهم فيشتبكون مع قوات الأمن بالحجارة ويقيمون المتاريس في الطرقات.
يتقدم بعض الأساتذة الداعمين للمتظاهرين بطلب الدعم من الأحزاب اليسارية وعلى رأسها الحزب الشيوعي ومن نقابات العمال. ولكن الرد يأتي قاصماً بأن الثورة عليها أن تخرج من عمال يشكلون بروليتاريا حقيقية وليس من مجموعات صبيانية منتمية إلى البرجوازية الصغيرة والتي لم تخبر خشونة العيش في حياتها.
في ليلة 10 أيار يقوم الطلاب باحتلال الحي اللاتيني في وسط العاصمة باريس وينصبون عشرات الحواجز والمتاريس  ويدخلون في اشتباكات مع الشرطة والأمن تؤدي إلى العديد من الجرحى.
اتحاد العمال يدعو إلى مظاهرة يوم الاثنين 13 أيار. ليطالب بوقف العنف وفتح حوار مع المتظاهرين.
تخرج مظاهرة ضخمة في باريس في 13 أيار ويتحدث اتحاد العمال عن مليون مشارك بينما تتحدث الشرطة عن 200 ألف.
 يوم 14 أيار يقوم ما ييقارب 2000 عامل في معمل طيران جنوب البلاد بحركة عفوية باحتلال المعمل وإغلاقه للضغط على اتحاد العمال للانحياز نحو الطلبة. تتوالى عمليات احتلال المعامل من قبل العمال لتشل البلاد.
في 22 أيار يبدأ إضراب شامل للعمال يشل البلاد.
في نهاية الشهر يعلن رئيس الجمهورية استقالته وتنظيم انتخابات مبكرة.
هذه قصة شهر هز فرنسا وأسقط رئيس جمهوريتها, بقي أن نذكر من هو الرئيس الذي سقط في نهاية أيار 1968؟
إنه شارل ديغول, أجل هو نفسه الجنرال شارل ديغول نفس الشخص الذي أخرج بلاده منتصرة في أعتى حرب عرفتها الإنسانية بعد أن كانت فرنسا مهزومة ومحتلة من قبل النازيين. وهو لم يقد معركته كسياسي كما فعل أقرانه كتشرتشل وروزفلت. ديغول كان ضابط جيش وكان على رأس جيشه حين حرر بلاده أي أنه لم يكن مجرد سياسي يقود حركة معينة. كان هو السياسي الذي رسم سياسة البلد ضد أعدائه والعسكري الذي نفذ تلك السياسة. أقصد من هنا إظهار مدى الرصيد الذي امتلكته شخصية ديغول بين الفرنسيين والتي تعرف حتى اليوم بفرنسا الديغولية.
أعود الآن إلى الأيام العشر الأولى من شهر أيار 1968 ولا أتحدث عما تبعها وأطرح تساؤلاتي:
. يعترف الجميع أن المتظاهرين مارسوا العنف ووضعوا الحواجز وهاجموا الشرطة والأمن ولم يخفوا التقاءهم بالأفكار مع الفكر الشيوعي المتبنى من قبل الاتحاد السوفياتي العدو الأول لفرنسا ومعسكرها. بالمقابل ديغول كان يملك رصيد شعبي ونضالي كبير في أذهان الفرنسيين قد يسمح له بتبرير بعض التجاوزات, بالإضافة لسيطرته على الجيش بحكم كونه بالأساس ضابط وقائد للجيش.
 التحرك كان ضعيفا وعنيفا في نفس الوقت وقد تخلت عنه معظم القوى بما فيهم نقابات العمال والحزب الشيوعي. فلماذا لم يستعمل ديغول الجيش والرصاص للقضاء على هذا التحرك في بدايته؟ رغم أن التهمة كانت جاهزة وهي استخدام الطلاب للعنف وإغلاق الشوارع ناهيك عن تهمة الاندساس والتخريب والعمالة للعدو السوفياتي. ما الذي منع ديغول من سحقهم بالدبابات أو حتى بالرصاص الحي؟  كيف قبل ديغول الخروج بهذه الطريقة من رئاسة بلد أقل ما يقال أنه انتشلها بيديه من أسفل سافلين, لماذا لم يقل نحن في حالة مواجعة مع السوفييت ولن تستطيع فرنسا المقاومة من دوني؟ لماذا لم يتحدث عن منعطف تمر به الأمة الفرنسية وهي بحاجة فيها لقيادة حكيمة متمثلة في شخصه؟ لماذا يحب الفرنسيون اليوم شارل 
ديغول ولماذا فرنسا اليوم ديغولية؟

28/5/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق