الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

الاستراحة انتهت

مقالة كتبتها في بداية العام 2008 أجدها اليوم ضرورية:

عندما كنا صغاراً, كان هناك نكتة متداولة جداُ تحكي عن رجل دخل جهنم وهناك كان عليه أن يختار طريقة عذابه وبينما هو يتجول بين الغرف المختلفة ويرى أنواع العذاب من حرق وسلق وشوي في كل غرفة أسوأ من سابقتها فيقشعر بدنه وفي النهاية وصل إلى غرفة فيها مجموعة من الناس يقفون مغمورين حتى العنق بمياه مجارير فارتأى أن هذا العذاب هو الأسهل بين ما سلف فاختار هذه الغرفة وبعد أن هم بالنزول سمع صوت الملاك المسئول ينادي "شباب الاستراحة انتهت ... عودة إلى الوضع الطبيعي ... الرأس للأسفل والأرجل للأعلى"
اليوم مع بداية العام 2008 نقولها لكل الذين تفاءلوا في العام 2000 في سوريا بالقيادة الجديدة الاستراحة انتهت, فكما حدث في العام 1970عندما أتى الرئيس حافظ الأسد إلى السلطة وأرسى مشاريعاً وخططاً بمقدورها –فيما لو تم تنفيذها - أن تجعل سوريا تخطو خطوات جبارة نحو الأمام ويعيش شعبها مرتاحاً إلى أبد الآبدين, نسي الشعب أو تغاضى عن الأشخاص الذي اعتقلوا أو ماتوا في تلك الفترة وسار في مسيرة التصحيح وبعد سنوات من حكم الأسد انتهت الاستراحة وأضحت سوريا دولة قمعية بعد أن كانت من أوائل دول المنطقة في حرية الرأي والتعبير -وذلك بين الخمسينيات وحتى أواسط السبيعينيات من القرن الماضي - وأصبح مواطنوها من أشد سكان المنطقة فقراً بعد أن كانت عبر تاريخها من أشهر معاقل التجارة في المنطقة, دمشق وحلب من أوائل المدن التجارية في العالم أصبحتا مدينتين مغلقتين وسكانهما يشكون القلة.
في بداية الحكم تمت متابعة بعض المشاريع التي كانت أقرت قبل الحركة التصحيحة فأنجزت ونسبت للحركة التصحيحية كمجانية التعليم وإيصال الكهرباء والماء والخدمات العامة إلى أبعد قرية في سوريا. ولكن ما حصل بعد بضع سنوات من العمل هو ركود وسكون وفقر دام طوال باقي سنوات الحكم تلك مصحوب باسطوانة قميئة تذكر الشعب في كل دقيقة بمنجزات الحركة التصحيحية كما لو أن سوريا قبل تلك الحركة كانت تعيش في عصر الجاهلية. كل ذلك بحجة خطورة المرحلة والمنعطف التاريخي الذي تسير فيه الأمة هذا المنعطف الذي تجتازه الأمة منذ زمن طويل طويل ولم تتمه حتى اليوم وبما أننا نحن الشعب نجلس في الخلف بينما يقود المسئولون مقطورة الأمة فإننا نحاول دائما أن نسترق النظر لنرى ماذا يوجد أمامنا ولكن كثرة المسئولين في المقدمة تحجب الرؤية مما يجعلني أظن أن الأمة تدور حول دوار صغير فيه تمثال الحاكم وبالتالي فهو منعطف لا نهائي ولا يمكن الخروج منه إلا بزحزحة المسئولين والنظر إلى الأمام
مع مجيء العام 2000 توفي الرئيس حافظ الأسد واستلم ولده الدكتور بشار الأسد مكانه وبدأت مسيرة التطوير والتحديث وتم إقرار مشاريع جديدة ورؤى مستقبلية جديدة وإطلاق مصطلحات سياسية جديدة تناسب المرحلة كالشفافية ومسيرة التحديث والتطوير بدل مسيرة التصحيح المجيدة وبدأ العمل على تحقيق هذه المشاريع وزادت نسبياً مساحة الحريات المسموح بها وعاد الوضع كما كان عند تولي الرئيس الأب للسلطة وأخذ الشعب استراحة من تسلط المخابرات (ليست استراحة تامة ولكن نسبية) وأيضا نسي الشعب أسماء الناس الذين اعتقلوا في بداية العهد الجديد وأودعوا السجن
اليوم بعد ثمان سنوات من بدء مسيرة التحديث والتطوير يبدو أن الأمور تعود لما كانت عليه قبل العام 2000 وتبدأ حملة اعتقالات جديدة كالسابق وتفرض قيود جديدة على الانترنيت والحريات الشخصية في البلد ويتباطئ العمل في المشروعات التي أقرت في بداية المرحلة الجديدة وتعود مصطلحات خطورة المرحلة والضغط الغربي على سوريا والمنعطف التاريخي لتطفو على الساحة وتسمم برائحتها أنوف المواطنين التي بدأت تنزل تحت مستوى الماء بعد نهاية استراحة الاستنشاق القصيرة, لذلك نقول لهؤلاء يالله شباب الاستراحة انتهت عودة للوضع السابق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق