الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

الثورة السورية والمسرح الشامي


قد لا يختلف اثنان في بلاد الشام على أن أهم تجربتين مسرحيتين في هذه المنطقة هما مسرح الرحابنة بجيليه في لبنان ومسرح الماغوط في سوريا, وبالرغم من أن هذه التجارب المسرحية سبقت الثورة السورية بأعوامها ولكن يبدو لي أنها تنبأت ببعض تفاصيل تلك الثورة, أو أن هذه التجارب المسرحية قد طبعت الجو العام في البلاد لحد الآن الناس أصبحوا يتصرفون وكأنهم جزء من هذه المسرحيات, فهل تنبأ الماغوط والرحابنة بسيناريوهات الثورة من خلال معرفتهم بنفسية سكان المنطقة؟ بعض هذه التطابقات تذهلني: فلا أستطيع مثلاً سماع كلمة “عصابات مسلحة” دون التفكير بشخصية “راجح” في مسرحية “بياع الخواتم” للأخوين رحباني, والقصة لمن لا يعرفها هي قصة قرية يحاول مختارها اجتذاب أنظار السكان من خلال السهريات فيروي لهم يومياً كيف أنه يدافع عنهم ضد قاطع طريق يدعى “راجح”  ويتصدى لمحاولاته لتخريب أمن القرية,طبعاً شخصية راجح مخترعة من قبل المختار ولا توجد إلا في مخيلته, يقوم شابان من القرية “فضلو وعيد” باستغلال الكذبة ويبدآن بممارسة أعمال تخريبية وسرقات حقيقية والاعتداء على السكان, وطبعاُ تلصق كل هذه الأعمال براجح, ولا يتمكن المختار من الرد على هذه الأعمال رغم كل التشديدات الأمنية, وفي نهاية المسرحية يأتي إلى القرية شخص يدعى راجح ولكن يكتشف السكان أنه مجرد تاجر متجول يبيع خواتم للزواج فيخرجون من خوفهم وأوهامهم التي أعاشهم إياها المختار ويهرب اللصان الحقيقيان.
أما عندما أسمع كلمة “إصلاح” أو إصلاحات” فيتبادر إلى ذهني فوراً مسرحية “ضيعة تشرين” للراحل محمد الماغوط وتحديداً إصلاحات “مدبر حلوم” حين يتظاهر الشعب ضده فيقر إصلاحات يبدل من خلالها مناصب المسئولين المتهمين بالفساد ويغير فرق شعره وبيته.
وعندما أسمع المثقفين (الثوريين) والفنانين الذين كانوا ينتقدون الوضع المعيشي في أعمالهم الثقافية والفنية وفي حواراتهم وأقوالهم ويسمون نفسهم ثوريين ويتمسحون بصور غيفارا وغاندي ولينين وثورة الزنج وثورة الزط وجحفل من ثوار التاريخ حتى الوصول إلى سبارتاكوس, عندما أرى بعض  هؤلاء يدافع عن النظام وينظر على الثورة منتقداً مرة توقيتها ,ومرة أسلوبها ,ومرة الفئات المشاركة فيها, ومرة ألوان جوارب الثوار ...  عندما أسمع هؤلاء أتذكر شخصية “رؤوف” في مسرحية “نزل السرور” وهو المثقف الذي يبدأ حياته في المسرحية كمثقف من الطبقة الوسطى مختص بالثورات والكتابة عنها وله العديد من المؤلفات في هذا المجال وكافة أحاديثه ثورية ويعمل دائما وأبداً على تحريك الشعب ليثور ويندد بكل من يتلكأ عن الثورة, وعندما يصل شابان إلى الفندق الذي يعيش فيه ويطالبان بالبدء بالثورة بشكل فوري نجد رؤوف يبدأ بالقول بأن الثورة لا ترتجل ارتجال وإنما هي “تخطيط فحزب فجريدة حزب فإعداد للرأي العام فتهيؤ فاقتحام فالوصول” وهكذا يبذل رؤوف كل مجهوده لإخماد الثورة. للأسف تبين أن العديد من مثقفينا وحتى من يسمون أنفسهم قيادات دينة ما هم إلا رؤوفيون فبعد سنين من النواح طلباً للثورة, واتهام الشعب بأنه كان نائماً راضخاً ها هو الشعب اليوم يتحرك وإذا بالمثقفين قد ناموا أو أغمضوا أعينهم مفتعلين حججاً لا تنتهي. أعزائي الرؤوفيين الثورة موجودة ومستمرة بوجودكم أو من دونكم, وبابها دائما مفتوح لمساهماتكم الإيجابية إن أردتم ذلك, فإن كنتم ترون اعوجاجاُ فيها فاعملوا على تقويمها قبل أن تجرفكم وفكركم ونظرياتكم المعاقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق